بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
في كل زمان، كان الإنسان يسعى جاهدًا لأن يُرضي من حوله، يزن كلماته قبل أن ينطق بها، ويحسب خطواته خشية أن يُساء فهمه، ظنًّا منه أن رضا الناس مفتاح القبول وراحة البال.
لكن الحقيقة التي لا نريد الاعتراف بها أن رضا الناس غاية لا تُدرك، وأن من يسعى خلفها يُنهك روحه قبل جسده.
في مجتمعٍ لا يترك أحدًا لحاله، يصبح الصمت جريمة، والجرأة تهمة، والاختلاف ذنبًا لا يُغتفر.
نرى كل يوم من يُهاجَم لمجرد أنه اختار طريقًا مختلفًا، أو عبّر عن رأي لا يُشبه السائد.
ومؤخرًا كانت المخرجة إيناس الدغيدي مثالًا حيًّا على هذه المعادلة الصعبة:
حين تحدّثت بجرأة عن المساكنة، وُصفت بأقسى الأوصاف،
وحين كتبت كتابها وتزوجت رسميًّا وبمأذون وشهود، قالوا “تغيّرت!”،
فكأنها مهما فعلت، ستبقى في مرمى التناقض والجدل.
إنها ليست قضية إيناس وحدها، بل هي قصة كل إنسان قرر أن يعيش بطريقته،
واكتشف أن العالم حوله لا يرحم المختلفين،
ولا يكتفي بالحكم على ما يرونه، بل يمتد ليحاكم النوايا وما في القلوب.
مجتمع يتقن النقد أكثر مما يتقن الفهم،
ويُطلق الأحكام كأنها هواية يومية لا تحتاج إلى دليل أو منطق.
من أراد أن يُرضي الجميع، عاش غريبًا بين الناس وغريبًا عن نفسه.
لأن الناس لا تتفق على شيء،
فما يُبهج أحدهم قد يُغضب الآخر،
وما يراه البعض تحررًا، يراه آخرون انحرافًا،
وما يعتبره البعض شجاعة، يُراه آخرون جنونًا.
هكذا تسير الحياة على إيقاعٍ متناقض،
ولا ينجو فيها إلا من أدرك أن الاتزان الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل.
فلتكن قاعدتك في الحياة بسيطة وواضحة:
اعمل ما يرضي ضميرك، لا ما يُرضي الناس.
اسعَ لأن تكون صادقًا مع نفسك، لا متوافقًا مع آراء الآخرين.
فالناس سيتكلمون في كل الأحوال،
وعندما تقع، سيكتفون بعبارة قصيرة:
“ربنا معاك… كله بوقته… الله يعينك.”
حينها فقط ستدرك أن الطريق كان يجب أن تُرسم بخطواتك أنت، لا بتوجيهاتهم.
في النهاية، لا أحد يستطيع أن يعيش مكانك،
ولا أحد سيُحاسب عنك،
ولا أحد يعرف حجم تعبك ووجعك إلا الله.
فاجعل رضا الله ورضا نفسك غايتك الأولى،
ودع بقية الأصوات تتلاشى في ضوضاء العالم.
لأنك إن حاولت إرضاءهم جميعًا…
ستظل تسمع نفس الجملة القديمة تتردّد في كل المواقف:
“لا كده عاجب… ولا كده عاجب.”