بقلم دكتورة / أميرة النبراوي
ظلّك في الوريد
لم تكن تلك نهاية، بل بداية
أخرى… مختلفة.
حين افترقا، لم يكن الوداع صاخبًا، ولا مشهدًا دراميًا كما في الأفلام.
كان صامتًا، هادئًا، كأن الزمن، توقّف لحظةً ليمرّ على روحيهما مرور الوداع الأخير.
جسدان تباعدا… أمّا الأرواح فلم تستطع.
هي، بقيت وحدها.
لم تعد تراه، لم تعد تصادف صوته ،صدفةً في الطرقات أو بين الرسائل.
لكن صوته كان حاضرًا دائمًا، كأن شيئًا منه تسرّب إلى أعماقها واستقر في أذنها، في أنفاسها، في وحدتها الطويلة.
كانت تسير في الأيام وهو
معها؛
كطيفٍ لا يراها، لكنها تراه.
يُضيء ليلها بصمته، ويعزف على وتر قلبها المنكسر نفس النغمة التي عزفها حين كان بقربها.
هو، الرجل الوحيد الذي لمس شيئًا لم يصل إليه أحد من قبل.
ذاك الذي شعرت معه، لأول مرة ، أنها أنثى.
لا كما تراها المرآة، بل كما يراها قلبه.
سألت نفسها كثيرًا:
لماذا لم تُبصر سواه؟
لماذا بدا العالم بعده وكأن لا أحد فيه؟
لماذا كانت أنفاسه، وجوده، صوته، حضورًا لا يُنسى؟
وكيف سرت محبته في وريدها كأنها الدم نفسه؟
لم يكن حبًا، كما كانت تتوهم…
كان إدمانًا.
إدمان وجود، إدمان دفء، رجلٍ لم يشبه أحدًا.
جسدها لم يعد يعرف كيف يتفاعل مع الحياة دونه،
كأن خلاياها كلّها قررت أن تتوقف… إلا إن عاد روحها
كانت تستنشقه في الذاكرة.
كلما شعرت بالأختناق، تذكّرته، فعادت لها الحياة.
وكأن عينيها، تلك التي ذبلت طويلًا، إستعادت بريقها بمجرد أن تتخيله، تبتسم.
لم تكن تعلم لماذا؟
لكنها، رغم كل شيء، لا تكرهه.
ولا تندم على حبّه.
فهو، وإن رحل، علّمها كيف تبدو الحياة حين تعني الحياة شيئًا.
وهكذا، بقيت تُمسك بظل الذكرى كما يُمسك العطشان بسراب الماء في صحراء لا تنتهي.
لم تعد تنتظره، لكنها لم تُطفئ المصباح في قلبها.
كانت تمضي إلى الأمام بخطى خفيفة، كأنها تمشي فوق بقايا حلمٍ لم يستيقظ يومًا.
أحبّته كما يُحبّ الورد المطر…
رغم معرفته أنه لن يأتي كل حين، لكنه ينتظره، يشتاقه، ويفتح له قلبه كل مرة.
ربما لن يعود…
وربما لن تنساه…
لكنّها تعلّمت أن بعض الحكايات لا تنتهي كما نحب،
بل تبقى كما هي:
وردة جفّت بين صفحات العمر،
كلما فُتحت… عاد عطرها يملأ المكان.
وفي ليلةٍ بعيدة، والمطر يطرق زجاج نافذتها، شعرت بشيء يتبدّل فيها.
أدركت أن ما ظلّ في وريدها لم يكن هو فقط…
بل جزءًا من نفسها لم تكن تعرفه.
همست وهي تنظر إلى المدينة المبلّلة بالنور:
“لم أخسر… أنا فقط أحببتُ بصدق.”
ابتسمت ابتسامة هادئة، مطمئنة،
كأنها أخيرًا فهمت أن الحب الذي مرّ بقلبها لم يكن جرحًا…
بل دليل حياه.
لم تعد تهرب من الذكرى، ولم تعد تنتظره.
اكتفت بأن تنحني لحكايتها بكل وجعها وجمالها،
وتترك قلبها مفتوحًا لما سيأتي.
فبعض الرجال يرحلون…
لكن أثرهم يبقى يشبه وردةً لا تموت، و تزهر كلما مر النسيم ، لا لتعيدهم
بل لتذكّرها أنها تستحق يومًا حبًا يعود إليها من حيث لا تتوقع فى رحلتها يعيد لها سعادتها وضحكتها ويبقى الحب وظله فى الوريد .
























































