عاجل

توقعات فانغا لعام 2026 تعود للواجهة.. البشرية ستواجه حضارة جديدة
# سعيدة لأنني لمْ أُولَد في عالَمِكم..
البرهان يعرب عن تقديره لمساندة مصر المتواصلة للسودان 
حالات من التوتر الشديد في السودان
ميناء دمياط يستقبل لجنة الهيئة العامة لتخطيط مشروعات النقل
الشرقية..القبض على عاطل متهم بهتك عرض طفلة
الجيش السوداني يستهدف مواقع للدعم السريع في جنوب كردفان
الناتو يقر موازنة 2026 بـ3 مليارات يورو عسكريًا و528 مليونًا مدنيًا
لافروف: موسكو وطهران تعززان التعاون العسكري
فنزويلا: لن نرضخ للتهديدات الأمريكية
تعليق ملك الأردن بعد خسارة “النشامى” في نهائي كأس العرب 2025
أحفورة قدم غامضة قد تُحدث هزّة في شجرة العائلة الإنسانية.. لماذا؟
تطورات هامة في ملف الإيجار القديم «إعادة طرحه من جديد بالبرلمان
يارا السكري عن العوضي: “أنا ممنونة”
المغرب يحصد أكبر مكافأة مالية في تاريخ كأس العرب.. والسعودية والإمارات تتقاسمان جائزة المركز الثالث

# سعيدة لأنني لمْ أُولَد في عالَمِكم..

بقلم الأستاذة الدكتورة / أماني فؤاد

أنا الجَنين الذي مات في بطْن أُمه منذ أسبوع مضَى، جنين فتاة، في عُمر ثلاثة أشهر، قُتِلتُ حين قُتِلتْ أُمي، عروس قريةِ “مشتهر بالقليوبية”؛ (كريمة محمد صقر)، سعيدة لأنني لم ألتقِطْ أنفاسي في عالَمِكم؛ المجتمَع الذي لا أعرف لماذا يقتُل الرِّجال فيه النساءَ؟ لماذا يَظَل رجُل يضرب زوجتَه بخرطوم المياه على رأْسِها وجسَدِها، ثم لا يتركها إلا وهي محطَّمة العظام، ومَيْتة؟
تركتُ أنا وهي هذا العالَمَ الظالِمَ، الذي لا ثمَن فيه للمرأة، ولا كرامة، ولا مستقبَلًا عادِلَا؛ حيث يتحكَّم فيها وعْيٌ جمعيٌّ، يستسيغها مقتولة، ومغتصَبة، ومنهوبة حقوقها، وعْيٌ يرَى في النساء مِلكية خاصة للرجُل، يصبُّ فيها كل أنانيته ورغباته وفَشَله.
في الشهور القليلة الأخيرة، قطَع أحدُهم رأسَ عروسِه؛ لأنه اعتقد أنها ليست بِكْرًا، ثم لم يكتفِ بهذا؛ بل ذهَب برأْسِها إلى والدها، ثم أثبت الطب الشرعيُّ أنها لم تَزَلْ عذراءَ. والآخَر قتَل عروسَه لأنه لم يستطِع أن يُعاشِرَها، قتَلها يومَ زِفافهما؛ لعَجْزه. وقتَل ابنٌ والدتَه، في كوفي شوب، ليتساءل الكثيرون ماذا كانت تفعل في الكوفي شوب، لا يستنكر أحدٌ الفِعلَ؛ بل يحاولون البحث عن جريمة اقترَفَتْها الأُم. وعشرات الحالات الأخرى من الاغتصاب، وزِنا المحارم، حيث تحمِل المرأة على عاتِقِها الذنْبَ وحْدها، فتصبح هذا الكيانَ الشيطانيَّ، المنبوذ من الجميع.
وأرجو ألَّا يَقُول لي قائلٌ إن هناك جرائمَ أخرى، تقتُل فيها المرأةُ الرجُلَ، أو تُشارِك في قتْله، فتلك جرائمُ تقَع بالفعل؛ غيرَ أني أتحدَّث هُنا عمَّا بَدَا ظاهِرةً في الآونة الأخيرة.
حوادثُ قتْل النساء، التي تنجُم عن خلافات يومية، قضية عالمية مؤلِمة، ومعقَّدة، وتتطلَّب تحليلًا عميقًا للأسباب الجذرية. حيث القتل – المرتبِط بالنوع الاجتماعي – ظاهرةٌ عالمية مأساوية، تتجاوَز الحدودَ الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
في مجتمعاتنا، يقع العنف والتمييز ضِدَّ المرأة في أبشع صوَرِه، فهو ليس مجرَّد “رَد فِعل”، أو “غضْبة عارِضة لمُدمِن أو جاهل”؛ بل هو نتيجة بُنْيوية متأصِّلة في مجتمعاتنا، وعْي جَمعيٌّ ترَاكَم وتأسَّس على مَرِّ قرون، وساهَمَت فيه الثقافة الاجتماعية بموروثاتها ومقُولاتها، والثقافة الدينية، من خلال خطابات الشيوخ وتفسيراتهم.


فالثقافة – التي تَمْنَح الرجُلَ امتيازاتٍ، وقوةَ حقوق تصِل للقدَاسة، وغير متكافئة مع حقوق المرأة؛ شريكته في الحياة – ثقافةٌ غير عادلة. الخطابات التي تُقلِّل من شأن إرادة المرأة، وتفرض عليها الطاعة، وتجعلها ملعونةً لو أنها امتنعت لأيِّ سبَبٍ، ثقافة تتيح للرجُل إهانتها، والتحرُّش بها، وضرْبها وقتْلها؛ لاعتقاده أنه يملُكها، الثقافة التي تجعل حقوق المرأة نِصْف الرجُل في كل شيء، في الشهادة، والميراث، وتمْنَع عنها الولايةَ، وتحجُب القوَامةَ والوصايةَ، ثقافة لا تهَبُ لكيانها حصانةً؛ بل تُعلِي من طمَعِ الرجُل فيها، بحسبانها خُلِقت من ضلعه ولمُتعته وخِدمته، والإنجاب له، ليبقَى اسمُه في الحياة.
فعندما يتم تربية الذكور على أنهم أصحاب سُلطة ومتحكِّمون، وأن الكرامة والشرفَ مرتبِطَان بالسيطرة على الإناث: (الابنة، والأخت، والزوجة، والأم)؛ يصبح أيُّ تحدٍ لهذه السيطرة – حتى لو كان خِلافًا يوميًّا بسيطًا – تهديدًا وجوديًّا لـ “ذكورتهم”.
ويفاقم من هذا الوعي الظالم شيوعَ بيئةِ الفقْر والعوَز، فكلَّما انخفض مستوى معيشة الأفراد في مجتمَع؛ كلَّما انعكَس هذا الفقر والجهْل والعنف على حياة المرأة، في صُوَر كلِّية، صورة مُهينة ومدمِّرة لكيانها؛ حيث يصبح منتهَى طموح المرأة وأَهْلِها السَّتْر، والتخلُّص من مسئوليتها.
ويرتبط العنف غالبًا بـسلُوكيات الاسترجال الضارة، التي ترفُض أيَّ مظْهَر من مظاهر الضَّعْف، أو التنازُل من قِبَل الرجُل. في هذا الإطار، يُنظَر إلى محاولة المرأة الدفاع عن رأيها، أو استقلالها، أو طلب الانفصال، على أنها “تمرُّد” يجب قمْعه، وقد يُستخدَم العُنف المُمِيت كـ “أداة أخيرة” لاستعادة السيطرة المفقودة، أو “معاقَبة” المرأة على خروجها عن الدور التقليدي، وهو ما يوافق عليه الرجال ضمنا، خوفًا من أنْ تصبِح إرادةُ المرأةِ ظاهرةً، تخلْخِل قواعدَ عروشهم.
وأحسب أن هناك مجموعةً من العوامل، التي تزيد من احتمالية لجوء الرجُل للعنف المفرِط، أوَّلُها وأهمُّها: ضَعْف الضوابط الاجتماعية والقانونية، ومراوغتها في ضمان حقوق المرأة، فعندما تفشل الدولة والمجتمع في توفير الحماية الكافية، والعِقاب الرَّادِع؛ يصبح العنفُ ضِد النساء أمرًا يتغاضَى عنه البعض، أو لا يُؤخَذ على محمَل الجد، حيث استمرار وجود قوانين تَمْنَح الرجُلَ امتيازاتٍ، أو تقلِّل من قيمة المرأة؛ فتساهِم في إرساء فكرةِ تفوُّق الذكور، وحقِّهم في السيطرة. كما أنه في بعض السياقات، لا يَتِم التعامُل مع العُنف الأُسَري بالجدية الكافية، مما يَمْنَح الجانيَ شعورًا بالإفلات من العقاب، فحين أخذ “عريس المنوفية” رأسَها المجزوزة لأبيها؛ ذهب وبداخله يقين ضِمْني أنه قام بدور بطولي، الدور الذي كان على والدها أن يقوم به، فكلُّهم هذا الرجُل.
كما أنني لا أُعفِي النساءَ من تسبُّبِهِن – بطريق مباشِر أو غير مباشِر – في وصول الأمر لهذا المنحنَى الخطير، واستحلال دمائهن، وضرْبهن، وإهانتهن بالتحرُّش، وإلحاق كل أنواع الأذَى البَدَني والنَّفْسي بهن، وعدم إعفائي للنساء من مسئولية تَرَدِّي الأوضاع هذا يأتي على مستويات عدة: أوَّلًا تتلبَّس بعض النساء المتعلِّمات، وغير المتعلِّمات؛ البسيطات، اللاتي لم يخرُج وعْيُهن عما رسَّخَتْه الثقافة الذكوريةُ، فيتلبَّسن روح ومضامين هذه الثقافة، ويروِّجن لها؛ فتُرَبِّي ابنَها على أنه السيد، وعلى المرأة أن تطيعَه، وأيُّ خروج عن إرادته، وعدْم سَماع أوامره يُعَد جُرْمًا، تحزن له السماء؛ بَلْ على الزوجة التغنِّي برجولته الدائمة، وأنه المانِح والمانِع، الذي يُطعِم أو يجوِّع. وهي المرأة نفسها التي تربِّي ابنتها على أنه يتعيَّن عليها أن تَرْضَى بأوَّلِ فُرَص السَّتْر، وعليها أن تحتَمِل لتظل البيوت مفتوحة، وألَّا تنتفض لكرامتها؛ فكُل الرجال يَضرِبون، ويُهِينون، كما عليها أن تُعْلِيَ وتضخِّم من رجولة أخيها وأبيها، وزوجها وابنها؛ فهذا دورها الأول، وإن طغَى على شخْصها تمامًا؛ حيث أنها الكيان الذي يَهَب الجميعَ كياناتهم المنتفخة، وهو لا يُدرِك أنه حين يفعل؛ يُنْتَقَص من حقوقه وكرامته، دون أن يدري.
المستوى الثاني، الذي لا أعفي النساءَ من مسئوليته؛ هو صمْت السيدات المثقَّفات والقائمات على بعض المؤسَّسات، التي من شأنها الحفاظ على حقوق المرأة، وتوعيتها، وتغيير أنساقها الفكرية، وإثارة الرأي العام، وتَجْيِيشه ضِد قضايا العنف ضِد النساء، والتحرُّش بهن بكل الأشكال، هؤلاء السيدات لا يفعلن شيئًا، لا يواجِهْن هذا الموروثَ الظالِمَ، لا يفكِّكْنه في إطار من المصارَحة؛ خوفًا على مناصِبِهن، واتهامِهن بتكدير الأمن العام، فالمَنُوط بهن التغيير، وتفكيك تلك الخطابات، واقتراح قوانين ضابِطة؛ لا يغيِّرن شيئًا؛ بل بِصَمْتهن، يكرِّسن للأوضاع الكارثية، التي تُعانِي منها المرأة. جميعنا نلْحَظ انشغالهن بالتكريمات، والأسفار، وحضور المؤتمرات، وإلقاء الكلمات، والإعداد للحِوَارات، دون أن نشهَد نزولَهن الميدانيَّ لقرية، أو منطقة، من تلك التي شَهِدَت وتشهد تلك الحوادثَ، وإعداد كتائب لتوعية النساء بحقوقهن، وتوعية الرجال أيضًا، أو إعداد وتنفيذ أعمال درامية موجَّهة للتوعية، في مثل تلك الحالات، أو إقامة حوارات حَية مع النساء في الريف والمُدن، وتشجيعهن على مَعرفة حقوقهن، والعَيش ضِمْن قِيَم الكرامة والعدْل.
هل قامت إحداهن بإعداد وتمويل برنامج حِوَاريٍّ يوميٍّ، متعقِّل المحتوَى، دون تطرف، يخاطِب الرأيَ العام، والوعي الجمعيَّ لتفكيك الكثير من المقولات الاجتماعية أو الدينية، التي تؤدِّي في النهاية إلى قتْلِها.
كما ألوم أخرياتٍ يَقِفْن حائراتٍ، يقتنعن بالحقوق والحياة الكريمة، التي ينبغي أن تعيشَها المرأةُ؛ لكنَّهن ممسوحاتُ الذهن، يَرْضَخن لخطابات تكرَّرت طويلًا، وأخذَت سَمْتَ المقدَّس؛ لأنها جاءت على ألسنة رجال الدين، أو المفسِّرين، ولذا يَجْبُنَّ، ويلغين عقولَهن وكرامتَهن، متصوِّراتٍ إن الانصياع أمرٌ إلهيٌّ، لا يدركن إنه طالَما فَسَّرَه رجُل دِين؛ أصبحَ بَشريّ، التأويل ومحدودًا بتاريخيته، والبيئة التي فُسِّر فيها، ولذا يمكن إعادة تأويله، بما يحقِّق المقاصِدَ العُليا، التي هي صَوْنُ كرامة الإنسان. واستكمل معكم بعض المَحاوِر في المقال القادم.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net