عاجل

مصر.. بيان رسمي بعد شائعات حول نهر النيل
# روزاليوسف مدرسة إعلامية فريدة
===رأس مالك هو الوقت===
قصة بونابرت مع مدرس اللغة الألمانية.. “سيبقى الإمبراطور أحمقا إلى الأبد”!
قصة موت الفتى الوسيم!
وخرج القطار من الجدار!
الفيلسوف الذي اختار الجزائر ورفض جائزة نوبل
“ملكة الضباب” داخل برميل مغلق!
من المجد إلى الانتحار.. قصة أشهر طيار برازيلي!
وصية داخل خيمة مدفونة في الثلوج: “بحق الرب، لا تتخلوا عن أهلنا”!
مدينتان مصريتان وصاروخ هتلر “الانتقامي”
ناشطة أمريكية تتهم إيهود باراك باعتداء جنسي وحشي على قاصر من ضحايا جيفري إبستين
محافظ القاهرة: الدولة تولي اهتمامًا بتطوير مناطق العاصمة التاريخية
7 حكام مصريين فى معسكر إعداد خاص للأمم الإفريقية
“كاف” يعلن مواعيد مباريات مصر في كأس الأمم الأفريقية

# روزاليوسف مدرسة إعلامية فريدة

بقلم الأستاذة الدكتورة / أماني فؤاد

مَن كان يصدِّق أنَّ امرأة – تعيش في العَقد الثالث من القرن العشرين – ‏تقوَى على تأسيس مجلة بمفردها، وتتمكن من الريادة والمنافَسة، في مهنة ‏يحتكرها الرجال؛ فتقوم بتشييد صرْح رائد، نحتفل هذه الأيام بمرور مائة ‏عام على تأسيسه، ففي أكتوبر1925 انطلقت مجلة روز اليوسف في ‏المجتمع المصري، وهو تاريخ يمثِّل نقطة تحوُّل في تاريخ الصحافة ‏العربية، ونقطة انطلاق لصرْح إعلامي، ظَل لواءً للتنوير والفكر. وذلك ‏على يد السيدة ذات الإرادة؛ “فاطمة اليوسف” المعروفة فنيًّا وصحفيًّا باسم ‏‏”روز اليوسف” (2 أغسطس 1898 – 10 أبريل 1958).‏
لم تكن روز اليوسف مجرَّد مؤسِّسة لمجلة فنية ثقافية؛ بل كانت رائدة ‏بامتياز، جمعت بين عِشق الفن، وشجاعة الصحافة؛ لتجسِّد مدرسة ‏إعلامية فريدة.‏
تبقى بعض الشخصيات – في التاريخ – وحدَها القادرةَ على زلزلة الراسخ ‏اجتماعيًّا ومواجهته، على تحطيم التصورات المعتادة، والقُدرة على التحدِّي ‏والإنجاز، ففي تصوُّري أن دفْقَة عظيمةً من روح فاطمة اليوسف من أسرار ‏بقاء مجلة روز اليوسف حتى يومنا هذا.‏
وُلِدت فاطمة اليوسف في بيروت، وعاشت طفولة صعبةً، قبْل أن تنتقل ‏إلى مصر؛ حيث بزغت موهبتها الفنية كممثلة مسرحية لامعة، عملت مع ‏كبار الفِرَق المسرحية في ذلك الوقت، مثل فرقة عزيز عيد ونجيب ‏الريحاني ويوسف وهبي. كانت “روز” الفنانة تملك شهرة واسعة، وذكاء ‏حادًّا، وإحساسًا عميقًا بقضايا المجتمع، كانت ترى النقص؛ فتسعى إلى أن ‏يكتمل.‏
في عام 1925، اتَّخذت قرارًا جريئًا بالانتقال من التمثيل إلى عالَم ‏الصحافة. لإحساسها بضرورة وجود صحافة فنية وثقافية راقية، تخاطِب ‏الجمهور بعُمق؛ فكان العدد الأول من مجلة روز اليوسف الأسبوعية، ‏وتدشين مجلة أدبية مصوَّرة، تهتم بالفن والآداب، لكنها تحوَّلت لاحقًا ‏لتصبح منبرًا سياسيًّا واجتماعيًّا قويًّا، لا تهاب المعارك.‏
لم يكن الأمر سَهلًا؛ بل كان وراءه التميُّز الاستثنائي في روز اليوسف؛ ‏حيث مزيج فريد من السِّمات الشخصية، فبجوار التحدِّي والشجاعة ‏والإقدام، كانت روز اليوسف سيدةً صاحبةَ قرار، لا تتردد في خوْض ‏المعارك ولا تهابها، وسرعان ما تحوَّلت المجلة إلى السياسة في عام ‏‏1928، وخاضت صداماتٍ عنيفةً مع السُّلطة والحكومات المتعاقِبة، وحتى ‏الاحتلال الإنجليزي. لم تخَفْ من مصادَرة المجلة لمَرَّات عديدة؛ بل كانت ‏كل مصادَرة تزيدها إصرارًا وتحديًا.‏
وبفضل خلفيَّتها الفنية، وثقافتها، وشخصيتها الكارِزمية؛ نجحت في تحويل ‏المجلة إلى صالون أدبي، يستقطب ألمع العقول المصرية والعربية. ‏واستكتبت لديها كبارَ الكُتاب والمفكرين في عصرها: محمد التابعي، عباس ‏محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازني، أحمد رامي، ومحمود تيمور، ‏وبالطبع ابنها إحسان عبد القدوس، وغيرهم. هذا الجمع لنُخبة الكُتاب منَح ‏المجلة ثقلًا فكريًّا لا يضاهَى.‏
لم تكْتفِ روز اليوسف بالمجلة الأسبوعية؛ بل أدركت – بنظرتها الثاقبة ‏المستقبلية – أهمية التوسُّع؛ فأصدرت جريدة “روز اليوسف” اليومية عام ‏‏1935، كما أصدرت مطبوعاتٍ أخرى مثل “صباح الخير” (1956)، التي ‏حمَلت شعارَها الشهير: “للقلوب الشابة والعقول المتحرِّرة”.‏
آمنت روز اليوسف برسالة التنوير، والمطالَبة بالحُرية والعدالة؛ مما جعَلها ‏منبرًا للرأي العام المعارِض والمستنير، في وقت كانت فيه الصحافة الحُرة ‏تحديًا كبيرًا.‏
وأصبحت مجلَّتها الأشْهر؛ لأنها قرأت اللحظة التاريخية الموَّارة من حوْلها، ‏ففضلًا عن انتقالها من الفن إلى السياسة، لم تَخْشَ الخوض الجريء في ‏السياسة الوطنية والاجتماعية، بمقالات نقدية ساخرة وقوية، وهو ما رفَع ‏أسهُمَها، وجعَلها حديثَ الشارع والمثقَّفين.‏
واستعانت بمحمد التابعي؛ كشَريك صحفي عبقري، تولَّى كتابة النقد الفني، ‏ثم تحوَّل إلى “أمير الصحافة الفكاهية”. هذا التناغم – بين روز (الرؤية ‏والشجَاعة) والتابعي (الموهِبة الصحفية) – خلَق صيغةَ نجاح نادرةً.‏
كما نجحت روز اليوسف في مخاطبة جمهور واسع، بلُغة أدبية شيقة ‏وساخرة، بعيدًا عن الجمود والرسمية. فكانت مجلَّتها تعكس نبْض الشعب ‏وانشغالاته، مما مَنَحَها انتشارًا جماهيريًّا، لم يكن مألوفًا في ذلك الوقت.‏
استوعَبت لحظة الحِرَاك الجماهيري؛ فلم تتردد في تحدِّي الحكومات، ‏وأشهر حَملاتها كانت ضِدَّ حكومة نسيم باشا الوفدية، والتي انتهت ‏باستقالة الحكومة. هذه الانتصارات منَحَت المجلة مصداقيةً وشعبية هائلة.‏
آمنت “فاطمة اليوسف” برسالة الصحافة، وكونها أداة للتغيير والنهضة. ‏وكانت امرأة قدَّست قوة الكلمة، وتحدَّت بها المستحيل.‏
لم تَكْتَفِ روز اليوسف بدورها الرائد المحوري، الذي قامت به في ‏الصحافة؛ بل ساهَمت روز الأم بقوَّة في تشكيل شخصية ابنها إحسان عبد ‏القدوس، والتأثير في مسيرته الأدبية والصحفية، حتى أن البعض وصَف ‏علاقتَهما بالقصة المركَّبة؛ ففضلا عن صراع الأجيال، تجسَّد جدَل وحِراك ‏الأفكار، الإيمان بالحرية، وقُدسية الكلمة، والبحث عن الحقيقة، والإيمان ‏بالوطن ورِفعته.‏
وتجسَّد أهم تأثير لروز اليوسف في توريث ابنها روح الكفاح والمواجَهة، ‏التي ميَّزت رؤيتها وأعمالَها؛ فنشأ إحسان عبد القدوس في بيتها، الذي كان ‏مرْكَزًا للحركة الصحفية والسياسية، وشهِد بعينه معارِكَ والدته ضِدَّ ‏الحكومات والملِك والاحتلال. هذا الجو الذي غرَس فيه مبدأ قَول كلمة ‏الحق، وعدم المهادَنة. هذا ما جعَله لاحقًا يكتب مقالاتٍ ناريةً، مثل ‏‏”الجمعية السِّرية التي تحكُم مصر”، والتي تسبَّبت في سجْنه مرَّتَين، في ‏عهد جمال عبد الناصر؛ ليثبِتَ أنه مخلِص لمدْرَسة والدته، وشخصيتها.‏
كانت روز اليوسف تصِف قلمَ الصحفي بأنه “مِلك القارئ”، وقد أوصت ‏ابنها بهذه المبادئ، التي أوَّلُها الالتزام، “قلمُك ليس مِلكًا لك يا إحسان؛ إنه ‏مِلك القارئ… فلا تفرِّط فيه، وتَهَبَه لمَن لا يستحق.” هذه الوصية شكَّلت ‏وعْيَه بالمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية للصحافة.‏


كما كانت نشأة إحسان في مقَر مجلة “روز اليوسف” بمثابة النشوء في ‏جامعة مفتوحة؛ فمن خلال صالونها الثقافي احتكَّ بالعمالقة، وسمع من ‏قِمَم الأدب والفكر المصري والعربي، هذا الاحتكاك المبكِّر شكَّل ذائقته ‏الأدبية، وفتَح أمامه آفاقًا واسعة، لم تتوفَّر لغَيرِه من أبناء جِيله.‏
وبوَعْيها الفائق، أبصَرت روز اليوسف شخصيةَ ابنها، منذ تفتُّحها، لمسَت ‏الحِس الصحفيَّ والروائي؛ فشجَّعته عليهما، وعندما أنهَى دراسة الحقوق، ‏وعمل بالمحاماة؛ رفَض هذا المجالَ، وعاد إلى المجلة؛ مصِرًّا على العمل ‏فيها، فشجَّعته، وقالت له: “أنت صحفي.” هذه الرؤية الثاقبة لوالدته هي ‏التي دفَعَتْه للتفرُّغ التام للكتابة.‏
لم تكن العلاقة – بين روز اليوسف وابنها إحسان عبد القدوس – خاليةً من ‏التوتر الإيجابي؛ فقد سعَى إحسان جاهِدًا للخروج من ظِل والدته العملاق، ‏وألَّا ينظر له الآخَرون باعتباره ابنَ صاحبة المجلة، وكان يشعر بضرورة ‏إثبات أن نجاحَه الصحفيَّ والأدبي نابعٌ من موهبته الخاصة، وليس من ‏كوْنه ابنَ صاحبة المجلة.‏
وعيَّنته روز اليوسف رئيسًا لتحرير المجلة، وهو في سِنٍّ صغيرة (26 ‏عامًا)، وهو تحدٍّ لم يكن سهلًا. هذا القرار دفَعه لبذْل جهْد مضاعَف؛ ‏ليثبت للجميع أنه يستحق هذا المنصبَ، ويملك كفاءة قيادية وصحفية ‏توازِي اسم المجلة وتاريخها.‏
لم تكن روز اليوسف مجرَّد أُمٍّ تقليدية لإحسان؛ بل كانت مدْرَستَه، وبوابةَ ‏عبوره إلى عالَم الصحافة، ومصْدر مبادئه في الكفاح السياسي، وأوَّل تحدٍّ ‏واجَهه؛ لإثبات موهبته ككاتب وصحفي مستقِل. ورث منها الشغَف والجرأة، ‏وأضاف إليهما صوتَه الأدبيَّ والاجتماعي الفريدَ؛ ليصبِحا معًا من أهم روَّاد ‏الصحافة والأدب في مصر.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net