عاجل

مصر.. قرار رسمي بعد ضجة فيلم “الست” لأم كلثوم
اجتماع أمريكي مصري قطري تركي بشأن غزة.. وأنقره تكشف تفاصيله
قرار قضائي جديد بحق علاء عبدالفتاح
تقرير أمريكي: نتنياهو ينوي إطلاع ترامب على هجوم جديد محتمل ضد إيران
“كاف” يعلن تغيير نظام كأس أمم إفريقيا.. ويكشف عن بطولة جديدة
وزير خارجية مصر : صفقة الغاز مع إسرائيل تجارية ولا يمكن استغلالها للضغط على القاهرة 
شقيق رجل أعمال مشهور يحرق نفسه أمام مطعمه الجديد
وزير خارجية مصر يكشف موقف الفصائل الفلسطينية من جمع سلاحها
في غياب صلاح.. ليفربول يهزم توتنهام في عقر داره
“تكشف عن صدرها امام الكاميرا”.. صور فاضحة وعبثية لشريكة المجرم إبستين تظهر إلى العلن (صور)
إيلون ماسك أول شخص في العالم تتجاوز ثروته الـ 700 مليار دولار
عصير الشمندر.. مفتاح اللياقة البدنية وشيخوخة أكثر صحة
القوات الأمريكية تطلق أكثر من 100 قنبلة وصاروخ دقيق على “داعش” في سوريا بمشاركة مقاتلات أردنية
“لا يهمني مظهر المرأة الآن”.. هل غيرت السياسة ترامب؟
الاعتزاز بالنفس والتكبر

“حين غفل الآباء… فسَد الجيل في صمتٍ رقمي”

بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة

حين كانت النوافذ تُضاء في المساء، لم يكن ذلك للعرض أو التسلية، بل لأن في الداخل أرواحًا تشتعل دفئًا وأحاديثًا، وأصواتًا تنسج خيوط الانتماء والطمأنينة… واليوم، ما عادت تلك الأضواء كما كانت. صارت انعكاسًا لوميضٍ باردٍ يتسلل من شاشاتٍ لا ترحم، تسرق من الأرواح وهجها، وتستبدل دفء اللقاء بعزلة التصفح.

حين ينام الحُرّاس دون أن يدروا أنهم نيام، يَفسد الجيل… لا بضجيج السلاح، بل بهمسٍ ناعم يخرُج من مكبرات الصوت، بأغانٍ تخلع الحياء، ومشاهد تُطبع على الذاكرة الطرية كأنها قدر، فتتشكل الطفولة على غير ما ينبغي.

طفلٌ صغير، لا يزال يخطو خطواته الأولى في فهم الحياة، يُلقي ضحكاته على كلمات لا يعيها، كلمات مسمومة مغلفة بالضحك، فيكبر ولسانه أسرع من قلبه، وذوقه مشوهٌ قبل أن يختار لنفسه ما يشاء.

وطفلة بريئة، تتعلّم أن الجمال صورة لا روح، وأن القَبول في العيون لا في القلوب، تُراقب العدّاد الذي يُسجّل إعجابات المتابعين أكثر من مراقبتها لنظرة أمّها، فيذبل فيها شيءٌ لم يُروَ أبدًا.

وفي الزوايا، هناك أمٌّ كانت يومًا حافظةً لدفء البيت، باتت تفتّش عن شيءٍ يشبه الحنان في منشورٍ أو تعليق، تُطيل البقاء في عالم افتراضي حتى تنسى أن في البيت مَن ينتظر حضنها لا ردّها على تعليق.

وهناك أبٌ، أضاع بوصلته بين شؤون السياسة أو صراعات كرة القدم، أو رَكضٍ لا ينتهي خلف رغيفٍ تلتهمه التكنولوجيا كما تلتهم أبناءه، حتى صار ظلًّا لا وجهًا، وحضورًا غائبًا في حياة من يُفترض أن يربّيهم لا أن يُطعمهم فقط.

وبين هؤلاء جميعًا، يختنق البيت. ليس من الضجيج، بل من الصمت. الصمت الرقميّ الذي لا يُسمَع لكنه يقتل. لا جلسة عائلية تُقام، لا نكتة تُروى، لا سؤال بسيط عن يومٍ مرّ، فقط أصابع تتحرّك على الشاشات، وقلوب تنام جائعة للكلمة، للحنان، للحوار.

حين تُغلق الأعين، لا ينام الأطفال على قصةٍ تزرع فيهم بطولةً أو قيمة، بل على مشاهد تُغذي الانحراف، وتُجمّل القبح، وتُسخر من النُبل. يُصبح البلطجي قدوةً، والخائن صديقًا محبوبًا، والمحتشمة امرأةً غريبة على زماننا.

والسؤال يتكرّر: لماذا فسد الجيل؟

الجواب لا يُبحث عنه بعيدًا… هو يقف في المرآة. في وجه الأب الذي تخلّى عن عمق الحضور، وفي ملامح الأم التي استبدلت الدفء بالمتابعة، وفي إعلامٍ استبدل الرسالة بالعائد المادي، فسلّم مفاتيح القدوة لمن لا يحمل من المعنى إلا قشور شهرة.

يا من تقرأ، لا تنتظر الصحوة من الخارج. إنها تبدأ من عينيك، من يدك التي تُغلق الشاشة، من قلبك حين يستفيق ليُضيء من جديد.

الأمر ليس ضياعًا صاخبًا… بل تخدير ناعم. زمنٌ تُسلب فيه المفاهيم ببطء، يُغتال الحياء على جرعات، وتُغسل الهوية بماءٍ رقميّ لا لون له ولا طعم.

كانوا يقولون: “كُنّا إذا أردنا قدوةً، عدنا إلى عمر وعدله، إلى خديجة وصبرها، إلى صلاح الدين حين كان الرجولة معنىً لا لقبًا.” أمّا اليوم، فصارت القدوة رقصة، ومشهدًا، وصوتًا لا يحمل فكرًا.

فيا كلّ أب، لا تنتظر أن يناديك ابنك يومًا فيضيع صوتك وسط زحام الذكريات.

ويا كلّ أم، لا تنتظري أن تبحث ابنتك عن حنانٍ لم تزرعيه، فتجده في عالمٍ لا يرحم.

إنّ الطفل لا يتعلّم من كلماتك، بل من طريقتك في الحياة. إن رأى فيك اهتمامًا بالشاشة، فلن يراك أبًا، بل نسخةً أخرى من الضجيج.

أيّها الناس، البيوت لا تُبنى بالإسمنت، بل بالكلام… بالحضور… بالمودة.

فأيقظوا الحُرّاس قبل أن تنام المدينة كلّها، ويصير الزمنُ خصمًا لا يمكن اللحاق به.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net