بقلم / راندا بدر
بلير … تاجر الحروب يعود بـ” قناع السلام ” إلى غزة
عادلة … عادلة جداً تلك المقولة التي ظل «توني بلير» يرددها كالطبل الأجوف طوال سنواته العشر في رئاسة الوزراء البريطانية ، و التي انتهت بكارثة سميت «غزو العراق» عام 2003 ، و الآن ، ها هو التاجر نفسه يعود ببضاعة جديدة ، «خطة سلام» لغزة ، لكن شيطانه المألوف يكمن في التفاصيل ،
فبعد أن أيقن الرجل أنه أصبح شبحاً مطارداً في السياسة البريطانية و العالمية بسبب توريط بلاده في ذلك الغزو الذي أسس على أكذوبة أسلحة الدمار الشامل لم يجد إلا أن يضع نفسه في خدمة السادة الجدد في البيت الأبيض ، بغض النظر عن لون إدارتهم ، ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين ،
لقد حاول هذا الرجل من قبل أن يلعب دور «صانع السلام» عندما عينته اللجنة الرباعية مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط بين عامي 2007 و2015 ، سنوات طويلة لم يحقق فيها شيئاً يذكر، بل انحاز بشكل فج لإسرائيل ، حتى منعته السلطة الفلسطينية ذات يوم من دخول رام الله ، فكيف يعقل أن يكلف نفس الرجل بمستقبل غزة ؟!
الخطة الأمريكية … و الوسيط البريطاني
قبل أيام ، انكشف النقاب عن آخر فصل من هذه الكوميديا السوداء ، فقد أفادت تقارير صحفية دولية أن البيت الأبيض يدعم مقترحاً بتعيين بلير حاكماً مؤقتاً لغزة ، خطة تروج لها إدارة ترامب ، و تقضي بإنشاء «سلطة انتقالية دولية» باسم «جيتا» ستعمل بموجب تفويض من الأمم المتحدة كـ«سلطة سياسية و قانونية عليا» لمدة قد تصل إلى خمس سنوات ،
للوهلة الأولى قد يبدو المشروع معقولاً ؛ إدارة انتقالية ، إعادة إعمار تسليم السلطة للفلسطينيين في النهاية ، و لكن أين يكمن الشيطان ؟
· الغموض القاتل :-
الخطة غامضة بشكل مريب بشأن الآلية و الجدول الزمني الحقيقي لتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية ، هذا الغموض يمنح إسرائيل ذريعة لتمديد «المرحلة الانتقالية» إلى ما لا نهاية ، و عرقلة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة ،
· الهدف الحقيقي : –
الهدف المعلوم هو استبعاد «حماس» من المشهد ، لكن الهدف غير المعلن ، كما حذرت مصادر عربية ، هو تغييب الفلسطينيين أنفسهم عن القرار وتهميش السلطة الفلسطينية ، و لو مؤقتاً ، إنها صيغة جديدة لـ« احتلال دولي مقنع » ،
· راعي المشروع :-
الخطة تحمل بصمة جاريد كوشنر ، صهر ترامب ، الذي سبق أن طرح رؤى تهمش الحقوق الفلسطينية ، وبموجبها ، لن يكون لحماس أي دور، بينما يتوقع إشراك السلطة الفلسطينية «تدريجياً» ، أي أنها ستفرغ من مضمونها قبل أن تبدأ ،
لماذا بلير بالذات ؟!
السؤال الذي يفرض نفسه :- لماذا توني بلير بالذات ؟
هل لأن له «خبرة» في إدارة الكوارث التي ساهم في صنعها ؟
أم لأنه الرجل الذي أثبت ولائه المطلق للأجندة الأمريكية ، حتى عندما تتعارض مع القانون الدولي و الضمير الإنساني ؟
لقد ارتبط اسم بلير في الذاكرة الجمعية للعرب بغزو العراق الذي راح ضحيته مئات الآلاف ، و هو القرار الذي خلصت تحقيقات لاحقة إلى أنه استند إلى معلومات استخباراتية «جزئية و مغلوطة» ، فكيف يمكن لشخصيته المثيرة للجدل و القابلة للانقسام أن تكون حَكَماً مقبولاً في قضية شائكة مثل قضية فلسطين ؟
التجارب السابقة للعرب مع بلير ، سواء في العراق أو خلال فترة ولايته الفاشلة كمبعوث للسلام ، تقول لنا بصوت عال :-
هذا الرجل ليس الأصلح لقيادة عملية «اليوم التالي» لغزة ، غزة التي دمرت و أهلكت ، تحتاج إلى قادة يحملون في قلوبهم جراح أهلها ، لا إلى دبلوماسيين محترفين في تلميع الصفقات السياسية المشبوهة ،
الخلاصة :-
العرب ليسوا في حاجة إلى «وصي» دولي جديد، حتى و إن جاء بقناع «المنقذ» ، هم في حاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تحترم حقهم في تقرير مصيرهم ، و إلى دعم جاد لإعادة الإعمار تحت قيادة فلسطينية موحدة و معترف بها ، أي مخطط يهدف إلى فصل مصير غزة عن القضية الفلسطينية ككل ، أو تأجيل الحل السياسي العادل ، هو مخطط للفشل ،
إن ثقة الفلسطينيين و العرب لا تكتسب بدعم من البيت الأبيض أو بخطابات معسولة ، بل بالعدالة و الحياد … وشروط لم نرها في سجل توني بلير الحافل بالانحياز ، فليحفظوا غزة من « سلامه » … فما زرعه في العراق من دمار يشي بما قد يحصده في فلسطين .
#راندا_بدر_