بقلم الكاتبة / سهام فودة
في قلب كل امرأة عالَم يتسع لمئات الحكايات ، فهي حين تبتسم تبدو طفلة تلهو ببراءة، وحين تصمت تلوح وكأنها حكيمة عجوز أكلت من خبرات الأيام وشربت من صبر الدهور، وحين تتخذ قرارًا حاسمًا تُشبه رجلاً في صلابته وصلابته لا تنفي أنوثتها، بل تزيدها جلالًا وهيبة. المرأة في حقيقتها ليست مجرد كائن يعيش بين قوسين من الميلاد والموت، بل هي ذاكرة الحياة ودفء الاستمرارية وقوة الضعف التي لا يقدر على احتمالها إلا قلبها.
كثيرون يظنون أن المرأة كائن هش، لطيف، رقيق، ويغفلون أن في أعماقها جبالاً من الصبر لو وضع عليها العالم بأسره ما اهتزت، من يستهين بقدرتها يستهين بنفسه قبلها، فهي مرآة لصلابة الخلق، وصبرها ليس ضعفًا بل شموخًا خفيًا يعرف كيف يواجه الانكسار بابتسامة، وكيف يرمم الألم بحنان، وكيف ينهض من الرماد ليصنع من العدم حياة جديدة.
المرأة تختزن بداخلها أضدادًا متقابلة، فهي الحنان والعاصفة، الهدوء والبركان، الصمت والبوح، الرحمة والصلابة. وقد يبدو ذلك تناقضًا لكنه في حقيقتها انسجام داخلي لا يكتشفه إلا من عرف أن الإنسان ليس قالبًا واحدًا بل فسيفساء متكاملة. لذلك لا يُدرك قيمتها إلا من نظر إليها بعين تتجاوز الجسد لتلامس الروح، ومن أصغى إلى صوتها الخفي الذي يبوح بما لا يُقال.
المرأة أيضًا مدرسة صامتة، تعلمنا أن القوة ليست صخبًا بل قدرة على الاستمرار، وأن الحب ليس كلمات منمقة بل فعل صادق، وأن التضحية ليست شعارات بل قرار يومي يعاش في تفاصيل صغيرة قد لا ينتبه لها أحد. فهي التي تُعطي بلا حساب، وتُسامح بلا شروط، وتبني حين ينهدم كل شيء. وفي كل مرة تظن أنها وصلت إلى آخر حدود الاحتمال تكتشف بداخلها طاقة جديدة لم تكن تدري أنها تملكها.
لذلك، لا غرابة أن تكون المرأة سيدة نفسها، تعرف كيف تحتفظ بطفولتها وسط قسوة الأيام، وكيف تُبقي روحها متقدة رغم تجاعيد الزمن، وكيف تحيا أنوثتها كاملة دون أن تتخلى عن صلابتها، وكيف تثبت في المواقف أنها ليست تابعة ولا ظلًا، بل كيان قائم بذاته قادر على اتخاذ القرار وتحمل العواقب.
من ينظر إلى المرأة باعتبارها كائنًا ناقصًا أو ضعيفًا أو تابعًا، لا يسيء إليها بقدر ما يسيء لنفسه، لأنه يعجز عن رؤية المعنى الأعمق الذي تختصره: معنى الإنسانية في أبهى صورها، والتوازن الذي يجمع بين الصلابة والرحمة، وبين العقل والعاطفة، وبين الصبر والانفعال. فهي ليست نصف المجتمع كما يُقال عادة، بل هي المجتمع بأسره، لأنها تُنجب النصف الآخر، وتغرس فيه ما لن يغرسه سواها.