بقلم الكاتبة الصحفية / إلهام شرشر
ما هذا العبث؟؟!!! ما هذه الغوغاء؟؟!!! ما هذا الخَلْق والتناول الرخيص المشوَّه الموجَّه لسيدة الغناء العربي!!
أيُّ إسفافٍ هذا؟!!
هل يجرؤ أحد على الاقتراب من فيروز مثلًا بهذا العبث؟؟ كلا، إنهم رغم الأزمات والصراعات والآلام التي يشهدها المجتمع اللبناني، ما زالت عندهم قيم، وما زال هناك احترام للتاريخ ووفاء للرموز… بل انظروا إلى الدراما التركية؛ هل يقدرون على تناول تاريخهم بهذا العبث وهذا التحرّر واللامبالاة؟!! لا وألف لا، إن الدراما التركية حتى حين تحاول النيل من شخصيات سياسية أو تاريخية، لا تسوق سيرهم الذاتية بهذا الكذب والافتراء.
إن فيلم «الست» لا يُسيء لشخصية فنية فحسب، بل يُهدّد الوعي الجمعي، ويعبث بالأمن الثقافي الذي لا يقل خطورة عن الأمن القومي. ومن هنا، فإن الصمت تواطؤ، والتساهل تفريط؛ لذا لا بد من مصادرتها فورًا، ولا بد للدولة من ردّ فعلٍ عاجل، ومحاسبة واضحة، لأن هذا تهديدٌ للأمن القومي.
ولا يقف العبث عند حدود العمل الفني وحده، بل يتجاوزه إلى أبواقٍ مأجورة، جرى تشغيلها بعناية، وتوجيهها بانتقائية، لتقوم بدور التلقيح الرخيص، فتضرب في هذا، وتُسفّه من ذاك، وفق ما تمليه غرف المال لا ضمائر المهنة.
كفاية بقى إسفاف…
كفاية ابتذال…
كفاية تشويه متعمّد للعقل المصري.
أما عن العرايا والمبتذلات، المستهزئين بالقامات، فلا بد من ردعهن حتى يلزمن حدودهن.
والكلام ليس عن عرايا الجسد وحدهن، بل عن عرايا الرؤوس كذلك؛ فكلاهما تعرٍّ من نوعٍ واحد: هذه نزعت غطاء الحياء فبان فراغ الفكرة، وذاك أزاح ما يستر الحكمة فظهر صَلَعُ الرأي. كفاية، منكم لله، صغّروا أنفسكم بعيدًا عن مصر واسم مصر. وكلاهما، كما نعلم، لسانٌ مستأجَر لا رأي له ولا قيمة.
إن تصدُّر هؤلاء اللُّقطاء الفرقاء، وبقايا المستنقعات والمخلّفات، مشهدَ البطولة والواجهة، لا يكشف إلا عن إفلاسٍ جمعيٍّ فادح؛ إفلاسٍ صنعناه بأيدينا حين منحنا التفاهة أضواءها، ورفعنا الأصوات الجوفاء إلى مقامات القيادة.


لقد صارت منصّات السوشيال ميديا، بما تحمله من سبٍّ وقذفٍ وصراخٍ رخيص، بديلًا زائفًا عن المعرفة، ومصدرًا مشوَّهًا للفهم، بعد أن أُقصيت الكتب، وهُجرت المجلدات، وتُركت القراءة والبحث، التي تُعد قواعدَ راسخات في بناء الشخصية، وتشييد الذات، وإثراء العقول، وتكوين الوعي، وصناعة الهويّات.
ومن هذا الفراغ المعرفي، ومن هذا التصحّر الثقافي، تسلّلت النماذج الهابطة الدخيلة، الموجَّهة لضرب القيم والأخلاق وطمس الهوية، فخلقت شخصياتٍ أرجوزيّة تُقدَّم لنا على أنها قدوة أو رأي عام. ولم نعد نشجّع هذه الأرجوزات لأنهم استثناء، بل لأنهم باتوا مرآةً صادقةً لما آل إليه حالنا؛ انعكاسًا لشخصياتٍ استقالت من التفكير، وتخلّت عن العمق، ورضيت بالسطح، حتى انتهت إلى الفراغ.
هؤلاء جميعًا — من يُحرّكهم، ومن يُشغّلهم، ومن يمنحهم المنصّات — ألسنة فتنة، ومعاول هدم، لا تقل خطورتهم عن أي تهديد مباشر؛ لأنهم يستهدفون الوعي، ويهشّمون الذائقة، ويفتحون الباب لتطبيع الإسفاف حتى يصبح هو القاعدة.
لقد وضعوا مسمارًا في نعشهم دون أن يدروا؛ لأن الوعي قد يصمت، لكنه لا يُخدع طويلًا، والتاريخ لا ينسى من خانه… ولا من تاجر به.
إن محاسبة هذه الأبواق لم تعد ترفًا، وإحكام القبضة على هذا العبث لم يعد خيارًا، فما يُرتكب هنا لا يمس فنًّا ولا رأيًا، بل يمس في جوهره الأمن القومي الثقافي.
إنهم ينتهزون كل فرصة للتميّز المزيّف، وللشحاذة والتسوّل، وما يفعلونه لم يعد رأيًا ولا نقدًا، بل إسفافٌ ممنهج، وتلاعبٌ بتاريخ مصر وعظمائها، لصالح جهاتٍ وأشخاصٍ خارج القطر المصري، لا علاقة لهم لا بالفن ولا بالحرية ولا بالاختلاف المشروع… ومن ثم فمثل هؤلاء متخابرون على الوطن.
قلتها كثيرًا وأعيدها: لا بد أن يتحاكموا بتهمة الخيانة والتخابر.
ليست حرية رأي ولا ديمقراطية، بدليل أنهم لا يستطيعون القيام بردود الأفعال هذه في دولٍ أخرى.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: إلى متى تستمر هذه المسخرة؟ من يتصدى؟ من يصادر؟ من يمنع؟ من يوقف هذه المهزلة المستمرة على مرأى ومسمع الجميع؟
إن ما يحدث تجاوز حدود عدم الولاء والانتماء، ولم يعد مجرد انحرافٍ مهني أو سقوطٍ أخلاقي، بل عبثٌ مقصود يرقى إلى حدّ التخابر، الذي يقتضي مثولهم أمام العدالة وتقديمهم للمحاكمة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد























































