بقلم / خالد ابراهيم
لا يختلف اثنان على أن جوهر الأديان جميعها هو الأخلاق؛ فالصّدق، والأمانة، والرحمة، واحترام الآخر، هي القيم التي اتفقت عليها الرسالات السماوية، مهما اختلفت أسماؤها أو شعائرها. ومع ذلك، نجد أن مناهجنا التعليمية تبدأ بتلقين الدين قبل أن تضع أساسًا متينًا من التربية الأخلاقية، وكأننا نعلّق ثمارًا على شجرة لم تُزرع بعد.
إن تعليم الأخلاق في المراحل الأولى من عمر الطفل، قبل تلقينه تفاصيل العقيدة والشعائر، ليس انتقاصًا من الدين، بل هو حماية لمعناه الحقيقي. فالطفل الذي يتربى على قيم الصدق لن يكذب باسم الدين، والذي يتعلم احترام الآخر لن يحكم عليه بالكراهية أو الإقصاء إذا اختلف معه. الأخلاق هنا ليست درسًا نظريًا، بل ممارسة يومية تُعلَّم بالمواقف قبل الكلمات، وبالقدوة قبل النصوص.
حين نغرس في الطفل أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن النظافة مسؤولية، وأن الاختلاف سنة كونية، سيكون قادرًا على فهم الدين لاحقًا بصفاء، بعيدًا عن التعصب أو سوء الفهم. فالأديان جاءت لتكمّل مكارم الأخلاق، كما قال النبي محمد ﷺ،
إن إدراج مادة “الأخلاق” كمقرر أساسي في السنوات الأولى من التعليم، منفصلًا عن المقررات الدينية، سيمنحنا جيلًا أكثر وعيًا ومسؤولية، جيلًا يطبّق الدين بروحه لا بمجرد مظهره. فالتدين الحقيقي لا يقاس بعدد النصوص المحفوظة، بل بمدى انعكاسها في سلوكنا اليومي.
إننا اليوم بحاجة لإعادة ترتيب أولوياتنا التربوية؛ فالدين بلا أخلاق يصبح شعارات جوفاء، أما الأخلاق فهي التربة الخصبة التي ينمو فيها الإيمان صادقًا
ونحن نرى اليوم في مجتمعاتنا من يرفعون شعارات دينية بينما أفعالهم تناقض أبسط مبادئ الأخلاق، ندرك أن الخلل لم يكن في الدين، بل في طريقة التعليم التي فصلت بين القيم والممارسة. إن إصلاح هذا الخلل يبدأ من المدرسة، حيث يمكن أن نربي أطفالنا على أن الأخلاق ليست خيارًا ثانويًا، بل هي جوهر الدين وعماده. فحين يسود الصدق بدل الكذب، والعدل بدل الظلم، والرحمة بدل القسوة، سنرى الدين حيًّا في قلوب الناس قبل أن يكون على ألسنتهم.