بقلم / راندا بدر
ها هو ذا ” الملك الصغير ” بنيامين نتنياهو يُلقي بقناعه الأخير ، و يعترف بما طالما أنكرته آلة الدعاية الصهيونية ، يقول الرجل الذي حوّل السياسة إلى سيرك ،
و الحرب إلى عرض سادى دموي :-
” أشعر أنني في مهمة تاريخية ،
و روحانية … أنا مرتبط برؤية إسرائيل الكبرى ” ، كلمات تخرج من فم رجل ثمل يتخبط في حانة التاريخ ، يحلم بمملكة تمتد من النيل إلى الفرات ، بينما شعبه ينزف ، وجيشه يترنح ، و عزلته تتسع هو و كيانه اللقيط ،
جذور الوهم
في البدء كانت الأسطورة :-
أسطورة ” شعب بلا أرض لأرض بلا شعب ” ، ثم جاءت الحروب لتكرس الوهم ،
و ها نحن اليوم أمام فصل جديد من فصول هذه الملحمة المأساوية أو قول الهزلية ، حيث يحاول
” المهرج التعيس ” النتن ياهو أن يبيع لشعبه أحلاماً توسعية ، بينما الواقع يصرخ :-
” كفى ” !!!
لقد نسج الصهاينة على مدى عقود خريطة وهمية لدولتهم العظمى ، لكنهم نسوا أن الخرائط ترسم بالدم أحياناً ، و تمحى بالدم دائماً ، غزة التي أرادوها مقبرة للمقاومين ، صارت مقبرة لأسطورة الجيش الذي لا يقهر ،
الضفة التي أرادوها حديقة خلفية لمستوطناتهم ، صارت جمرة تحت أقدام الاحتلال ،
زمن الانهيارات
في غرفة عمليات نتنياهو ، تعلق خريطة ” إسرائيل الكبرى ” بفخر ، لكن لو التفت قليلاً لرأى أن هذه الخريطة تتهرأ من الأطراف ، الجيش يتململ ، الشارع يغلي ، الحلفاء يتخلون ، حتى أولئك الذين باعوا ضمائرهم و شرفهم متطوعين بالتطبيع ، بدأوا يتلمسون طرقاً للخروج من هذه المهزلة ،
أما في غزة ، فالقصة مختلفة ، هناك، حيث الحجارة تلقى على الدبابات ، و حيث الأطفال يرسمون ألوان الحرية على أنقاض بيوتهم ، هناك تكتب ملحمة جديدة ، ملحمة تثبت أن الشعوب قد تجرح لكنها لا تموت ، و أن الأحلام التوسعية تتحطم دائماً على صخرة الإرادة ،
نهاية المسرحية
لكل مسرحية هزلية نهاية ،
و مسرحية ” إسرائيل الكبرى ” تقترب من خاتمتها المحتومة المأساوية ، النتن ياهو الذي أراد أن يكون بطل الملحمة ، صار مجرد ممثل شبه متقاعد أو كومبارس في دراما مكرورة ، شعبه الذي وعده بالأمان ، يجد نفسه أكثر عرضة للخطر ، مشروعه الذي رسمه على الورق ، تذروه رياح المقاومة ،
لقد صدق من قال : –
” الأحلام التوسعية كالسراب ، كلما أسرعت نحوها زاد ابتعادها ” ،
و ها هو السراب الصهيوني يتبدد في صحراء الواقع ، تاركاً خلفه مسخ عجوزاً يتشبث بأوهامه ، و شعباً فلسطينياً يكتب بأظافره المجروحة فصلاً جديداً من فصول الحرية و التحرير ،
في النهاية ، التاريخ لا يرحم ، لن تذكر الأجيال القادمة إلا صبية غزة الذين واجهوا الدبابات بالحجارة ، و أمهات الضفة اللواتي يزرعن الزيتون فوق جثث المستوطنين ،
و شباب القدس الذين يحولون حواري المدينة إلى ساحات معركة ،
أما أحلام ” الملك الصغير ” نتنياهو ، فستصبح مجرد نكتة سخيفة في ذاكرة التاريخ ، نكتة سوداء عن مختل أراد أن يكون إمبراطوراً ، فإذا به لا يملك حتى مقعداً في قفص الاتهام .
#راندا_بدر#