بقلم / راندا بدر
كنت أتصفح أخبار معرض القاهرة للكتاب ككل عام ، و أنا أتساءل :-
كم ستكون الزيادة هذه المرة ؟
لكن ما قرأته هذه المرة جعلني أعتقد أننا نستعد لأكبر انتحار جماعي للثقافة في بلد كان يفتخر بأنه ” أم الدنيا ” ،
فالزيادات في أسعار إيجار أجنحة الناشرين وصلت إلى 70% في بعض المساحات ، و كأن الوزارة تظن أن الناشرين يطبعون الأوراق النقدية في دور النشر ، و ليس الكتب !!! ،
الناشرون بين نارين
لننصف الوزارة قليلاً … فالناشرون أنفسهم يعانون من أزمة حقيقية ، لقد ارتفع سعر طن الورق من 18 ألف جنيه عام 2022 إلى نحو 80 ألف جنيه خلال العام الجاري ، و هذا وحده كفيل بدفن أحلام الكثير من القراء تحت ركام الأسعار ،
و لكن ، بدلاً أن تمد الوزارة يد العون للناشرين ، و القراء ، تضربهم في مقتل بزيادات فاحشة في إيجارات الأجنحة ، فأقل كتاب جديد يتراوح سعره الآن بين 100 إلى 400 جنيه، بعد أن كان بأقل من عشرين جنيهاً ،
الجنون بعينه … أن تضع الوزارة يدها على رأس القارئ ، و الناشر معاً !!!
مسرحية الدعم الثقافي … ، و أجنحة الكتب المخفضة !!!
نعم … تخصص الوزارة أجنحة للكتب المخفضة التي تبدأ أسعارها من جنيه واحد ، و هي مسرحية جميلة لا أكثر ،
فهل يعقل أن نحول الثقافة إلى نوعين :-
ثقافة ” عالم تاني ” لأصحاب الجيوب العميقة ، و ثقافة ” الجنيه الواحد ” للفقراء الذين يجب أن يشعروا بالامتنان لمجرد وجود كتب بين أيديهم ؟؟؟
الكتب ليست سلعة فاخرة … إنها غذاء العقل ، و الروح ، و عندما نتعامل معها على أنها ترف يمكن الاستغناء عنه ، فإننا نحفر بأيدينا قبر مستقبل هذه الأمة ،
الحلول التي تنتظر شجاعة المسئول
أين اتفاقية حماية التنوع الثقافي التي وقعتها مصر ؟؟؟
التي تنص على أن ” الثقافة تتخذ أشكالا مختلفة عبر الزمان ، و المكان ، و أن هذا التنوع يتجلى في تفرّد و تعدّد الهويات ” ، أليست هذه الاتفاقية تلزم الدولة بحماية الثقافة ، و دعمها ؟؟؟
الحلول موجودة لو وجدت الإرادة :-
· تخفيض إيجارات الأجنحة ، و اعتبار المعرض استثماراً في العقول لا مصدراً للدخل ،
· دعم مستلزمات الطباعة من ورق و حبر ، فالثقافة قضية أمن قومي ،
· تشجيع النماذج المبتكرة مثل الطباعة حسب الطلب التي تخفض التكاليف ،
· تعميم فكرة المشاركة ، و تبادل الكتب بين الشباب كحل عملي لارتفاع الأسعار ،
لننقذ ما يمكن إنقاذه
كفانا كذباً على أنفسنا … فمعرض الكتاب لم يعد ذلك المكان الذي ينتظره القارئ البسيط طوال العام ، لقد تحول إلى سوق للتباهي الثقافي ، يحضره الأغنياء ، و يتجول فيه الفقراء كمتفرجين ،
إن الثقافة في بلدنا تتحول إلى سلعة استهلاكية ، و الوزارة تشارك في هذه الجريمة بوعي أو بغير وعي ، فبدلاً أن تكون حامية للثقافة و راعية لها ، أصبحت شريكة في تصفيتها .
#راندا_بدر