عاجل

“بحاول أقوم معاكم”.. تامر حسني يخاطب جمهوره بأول ظهور بعد أزمته الصحية
بعد قرار ضبطه وإحضاره.. شقيق شيرين عبد الوهاب: مش هاسيب حقي البلد فيها قانون
المغرب يتوج بكأس العرب 2025 على حساب الأردن
مطاعم “بلبن” المصرية: ننفي مزاعم افتتاح فروع داخل الأراضي المحتلة ولا نعترف بالكيان الصهيوني بالأساس
المغرب يُتوج بطلا لكأس العرب.. بعد مباراة درامية مع الأردن
ترامب : السيسي صديقي.. سأكون سعيدا بلقائه
سامية عايش تكتب للرسالة العربية : بين الأمس واليوم.. عن فيلم “الست” وكيف نفهم “الوطن”
موسكو تشعر بالقلق إزاء المناورات العسكرية بين اليابان والولايات المتحدة قرب حدودها
نتنياهو يتهرب من السيسي.. ترامب يضغط على إسرائيل من أجل مصر
مصر ترد على تنازلها عن أرض لصالح شركة قطرية
أول رد مصري على صفقة الغاز مع إسرائيل
# أم كلثوم التي هزّت باريس !!
بيان مصري ناري حول السودان.. 3 خطوط حمراء وتلويح بتحرك عسكري
أول تعليق من داعش على هجوم سيدني: “مصدر فخر”
جوارديولا: لو كان مرموش معنا لما لعبت بهذه الطريقة أمام برينتفورد

# أم كلثوم التي هزّت باريس !!

بقلم الكاتبة / سهام فودة

لم تكن ليلة عابرة في سجل الحفلات العالمية، ولم تكن مجرد زيارة فنية لنجمة شرقية إلى عاصمة أوروبية. كانت لحظة اختبار للكرامة، وصوتًا خرج من تحت الركام ليواجه العالم بثقة. في خريف 1967، بينما كان الشرق العربي ينزف، قررت أم كلثوم أن تغنّي… لا لتواسي فقط، بل لتعلن أن الهزيمة لا تُخرس الأمم، وأن الصوت حين يكون صادقًا، يصبح وطنًا كاملًا.

في أواخر عام 1966، كان برونو كوكاتريس، مدير مسرح الأوليمبيا، أشهر مسارح فرنسا وأوروبا، يبحث عن “صوت من الشرق” يضيفه إلى مشروعه الفني الذي استضاف من قبل أسماء صنعت تاريخ الموسيقى العالمية مثل فرقة البيتلز وإديث بياف. حملته رحلته إلى القاهرة، حيث التقى وزير الثقافة المصري آنذاك ثروت عكاشة، طالبًا ترشيح فنان يليق بخشبة الأوليمبيا. لم يتردد الوزير لحظة، وقال اسمًا واحدًا: أم كلثوم.

استقبل كوكاتريس الاسم بدهشة مشوبة باستعلاء أوروبي، وسأل ببرود إن كانت راقصة شرقية أم مطربة استعراضية. جاءه الرد هادئًا وحاسمًا: ستعرف قيمتها حين تقف على مسرحك. بدافع الفضول، توجّه بنفسه إلى بيت أم كلثوم في الزمالك، وجلس معها بحضور الكاتب الشاب آنذاك محمد سلماوي. هناك كانت الصدمة الأولى: الأجر المطلوب يفوق ما كانت تتقاضاه إديث بياف نفسها. أربعة عشر ألف جنيه إسترليني، رقم غير مسبوق. غادر الرجل اللقاء صامتًا، ثم عاد إلى ثروت عكاشة ناقلًا تردده، فجاءه الرد الذي حسم التاريخ: وافق مهما كان الثمن… وستربح أكثر مما تتخيل.

لكن الرياح لم تجرِ كما اشتهت الحسابات. جاءت نكسة 1967، وتبدلت الأسئلة. كيف تغني مطربة وبلدها مكسور؟ وكيف يقبل جمهور عربي حفلة طرب في زمن الهزيمة؟ التذاكر توقفت، والقلق تسلل إلى قلب مدير المسرح. اتصل بها مترددًا، فجاءه صوتها ثابتًا: أنا على اتفاقي، ولن أعود عن كلمتي.

حتى أربعة أيام قبل الحفل، ظل الصمت سيد الموقف. ثم وصلت أم كلثوم إلى مطار باريس… وبدأت الأسطورة. اقترح كوكاتريس إجراء حوار تلفزيوني معها بعد نشرة الأخبار في التلفزيون الفرنسي. عُرض الحوار، وفي اليوم التالي انقلب المشهد رأسًا على عقب. طوابير امتدت من فرنسا وألمانيا وإنجلترا والخليج وشمال إفريقيا. نفدت التذاكر، وبدأت تُباع بأضعاف سعرها في السوق السوداء. ولأول مرة في تاريخ مسرح الأوليمبيا، فُتحت أماكن للوقوف… ونفدت هي الأخرى في لحظات.

باع البعض ذهبهم، وضحّى عمال بأجورهم، وجلس سفراء إلى جوار عمال بناء. الجميع في صف واحد… صف أم كلثوم. وصل الهوس حدّ أن رجلًا عربيًا ثريًا حاول شراء مقعد في الصف الأول بخمسة آلاف فرنك، وحين قيل له إن المسرح كامل، هدد بالانتحار إن لم يدخل. مشهد لخص جنون الحب الذي اسمه “الست”.

رصدت الصحافة مشاهد أخرى لا تقل دهشة: الملك حسين ملك الأردن يحضر متخفيًا، ومئات من يهود شمال إفريقيا يأتون رغم علمهم أن الحفل مخصص لدعم جيش مصر. علّقت الصحافة الفرنسية بأن التاريخ المشترك أقوى من السياسة، وأن من نشأ على صوت أم كلثوم لا يستطيع تجاهله مهما كانت الظروف.

في الساعة التاسعة وخمس وعشرين دقيقة مساء 13 نوفمبر 1967، ارتفع الستار. ظهرت أم كلثوم بكامل هيبتها، في فستانها الأخضر الطويل، والمنديل الذهبي في يدها. جلست أثناء المقدمة الموسيقية، وما إن نهضت حتى انفجرت القاعة بتصفيق هستيري استمر سبع دقائق كاملة. بدأت “أنت عمري”، ساعة كاملة من السحر، ثم استراحة قصيرة، لتعود بـ“الأطلال”. عند جملة “أعطني حريتي… أطلق يديّا”، كتبت الصحافة الفرنسية: هذه ليست أغنية… هذه صرخة حرية في وجه الغرب.

قال محمد سلماوي لاحقًا: بالنسبة للعرب الذين أصابتهم الهزيمة، كانت أم كلثوم صوت مصر المنتصرة. والمفاجأة الأكبر كانت تفاعل الجمهور الغربي، رغم أن الكلمات بالعربية. بعد خمسين عامًا، قال جيرار ديبارديو إنه بكى تأثرًا، رغم أنه لم يفهم كلمة واحدة.

خمسة ساعات كاملة غنّت فيها أم كلثوم ثلاث أغنيات فقط، لتسدل الستارة على أعلى ليلة دخل في تاريخ الأوليمبيا. كتبت لوموند: عندما تغني ملكة الفن المصري، تتمايل الرؤوس كما تتمايل أغصان النخيل على ضفاف النيل. ووصفتها الجارديان لاحقًا بأنها ظاهرة لا نظير لها في الغرب، صوت لا يُضاهى، وقوة فنية استثنائية عبر العصور.

بعد الحفل، خرجت أم كلثوم وسألت سؤالًا واحدًا: طيارة مصر إمتى؟ كانت تريد العودة سريعًا لتحويل النجاح إلى دعم للمجهود الحربي. رفضت شراء الهدايا، وأصرت أن تُشترى من مصر، لأن البلد بحاجة للعملة. وفي الحفل الرسمي الذي أُقيم على شرفها، قُرئت برقية من شارل ديجول يقول فيها: مع صوتك، تزداد اهتزازات قلوبنا… مرحبًا بكِ في فرنسا. وقال مسؤول فرنسي: آخر ملكة لمصر استولت على مفاتيح باريس في خريف 1967.

لم تكن تلك حكاية حفلة، بل حكاية وطن غنّى وهو مجروح، وصوت وقف أمام العالم ليقول: نحن هنا… وصوتنا أعلى من الهزيمة. ولو اجتمع العرب يومًا على شيء قبل السياسة، فسيكون ذلك الصوت الذي وحّدهم لليلة… صوت أم كلثوم.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net