كتب / د / مجدى عوض
اقترب مني صبي ابن تسع يرتدي أطمارا باليةويحمل على كتفه عصا شد بها بعض أكياس (غزل البنات) وبصوت ضعيف يخضعه الذل الموروث والإنكسار الأليم قال: غزل البنات ياباشا…… حلاوة يابيه……
فنظرت إلى وجهه الصغير وتأملت عينيه الغائرتين المكحولتين بأخيلة التعاسة والفاقة، وفمه المفتوح قليلا كأنه جرح في صدر متوجع، وشفتين يابستين تحركهما ارتعاشات اليأس وعنقا تتردد فيه حشرجة الكلمات مصحوبة بأنين عميق متقطع وبصوت يبثه الأستعطاف وذراعيه النحيلتين وقامته الصغيرة المهزولة كأنها غصن من الورد الأصفر الذابل بين الأعشاب النضرة، تأملت كل هذه الأشياء مظهرا شفقتي بابتسامات هي أمر من الدموع، تلك الابتسامات التي تنشق من أعماق قلوبنا وتظهر على شفاهنا ولو تركناها وشأنها لتصاعدت وانسكبت من مآقينا….. ثم ابتعت منه بعض أكياس الحلواء، و بغيتي ابتاع محادثته لأنني شعرت بأن من وراء نظراته المحزنة قلبا صغيرا ينطوي على فصل من مأساة الفقراء الدائم تمثيلها على ملعب الأيام…. وقل من يهتم بمشاهدتها لأنها موجعة ولما خاطبته بكلمات لطيفة استأمن واستأنس ونظر الي مستغربا لأنه مثل أترابه الفقراء لم يتعود غير خشن الكلام من اؤلئك الذين ينظرون غالبا إلى صبية الأزقة كأشياء قذرة لا شأن لها وليس كنفوس صغيرة مكلومة بأسهم الدهر وسألته قائلا : ما اسمك؟…. فأجاب وعيناه مطرقتان إلى الأرض………
اسمي عماد………
من أين؟…… قال من بني سويف…..
أين والدك؟……… فهز رأسه الصغير كمن يجهل معنى الوالد……… أدركت أن الطفل يتيم………
تجرعت مسامعي هذه الكلمات القليلة من فم الصبي وامتصتها عواطفي مبتدعة صورا واشباحا غريبة محزنة لطفل صار فريسة بين أظفار التعاسة والشقاء……… كنت افكر واتخيل هذه الأشياء والصبي ينظر إلى كأنه رأي بعين نفسه الطاهرة……. إنسحاق قلبي……. ولما أراد الإنصراف أمسكت بيده قائلا له : أنت رجل مكافح عظيم……… وقد أنارت كلمات التعزية وجهه المصفر مثلما تنير أشعة الغروب اللطيفة خلايا الغيوم……….. وغادرني مبتسما تاركا في ضلوعي شعلة ملتهبة ملأت أحشائي بدخان الأوجاع ومرارة الألم……
رئيس مجلس الإدارة
رضــــــــــــا يوســـــــــــف
رئيس التحرير
د / حــــــسن اللـــــــــــــبـان
مستشار التحرير
د / السيد رشاد برى
Menu