كتب / رضا اللبان.
حين أتم محمد الفاتح فتح القسطنطينية ، كان معظم سكانها قد لجؤوا إلى الكنائس وخاصة كنيسة آياصوفيا التي غصَّت بجموعهم، وغلقوا على أنفسهم الأبواب ..
.
و عند الظهيرة توجَّه الفاتح إلى القسطنطينية على ظهر جواده، يحفّ به كبار رجال دولته وحرسه، و قد أعجبته المدينة بآثارها الرائعة ومبانيها الفخمة، و كان ألوف من العثمانيين يحيطون بموكبه ..
.
ولما بلغ الفاتح منتصف المدينة توقَّف عن السير وقال لمن حوله من الجند: “أيها الغزاة المجاهدون! حمداً لله وشكراً، لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لتفتحنَّ القسطنطينية، و لنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش) “، ثم هنَّأهم بالنصر ونهاهم عن القتل والنهب والسلب، وأمرهم أن يكونوا أهلاً للشرف الذي حباهم به الرسول صلى الله عليه وسلم ..
.
و ترجَّل الفاتح عن فرسه، واستقبل الكعبة و سجد على الأرض، وحثا التراب على رأسه شكراً لله على ما منحه من توفيق ونصر. ثم استأنف سيره إلى كنيسة آياصوفيا، ولما اقترب منها، وصلت إلى سمعه أصوات خافتة حزينة هي أصوات الصلوات والدعوات التي كانت تجري فيها. وقصد الفاتح إلى أحد أبواب الكنيسة، وكان باباً منيعاً حصيناً، فوجده مغلقاً. وعلم الراهب بمقدم الفاتح، فأمر بفتح ذلك الباب على مصراعيه، و انتاب الناس خوف عظيم و فزع لحضور السلطان، وتوجَّسوا شرّاً وقطعوا ما كانوا فيه من الصلاة والدعاء، وساد بينهم لغط وضجيج؛ فما كان من الفاتح إلا أن طلب من الراهب أن تستمر الصلاة كما كانت من قبل، و أن يبقى كل إنسان في مكانه دون أن يجزع، فتمّت الصلاة في هدوء وأمان ..
.
و سجد الفاتح مرة أخرى سجدة الشكر، و أخذ يحمد الله ويشكره، ثم طلب إلى الراهب أن يأمر المصلين بالعودة إلى منازلهم آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأن يعود كل إنسان إلى ما كان يمارسه من قبل من عمل و حرفة. ونزل هذا الكلام برداً وسلاماً على هؤلاء الناس الذين كانوا يتوقَّعون أن ينزل بهم أشدّ أنواع البطش والتنكيل، وشاعت في نفوسهم الراحة و الطمأنينة، و بعث الفاتح إلى مختلف أرجاء المدينة نفراً من رجاله لتأمين الناس وليعودوا إلى حياتهم العادية ..
كتاب بين العقيدة والقيادة ـ لـ محمود شيت خطاب.
.
.