كتب / د/ ياسر طبل
يحكي أحد الرحالة في التاريخ قصة حدثت معه خلال بحثه عن الكنوز وتتبعه آثارها في البلدان ..
فيذكر أنه سمعوا عن كنز في إحدى البلاد التي تبعد عن مصر مسيرة ثلاثة أيام .. فأعدّوا العدة وشدّوا الرحال، حيث يقول: “فأخذنا صفة -الطريق- وتزوّدنا وسِرنا بين جبال ورمال خفناها حتى إذا مضت ثلاثة أيام أشرفنا على سور عظيم فكبّرنا الله جل اسمه وحمدناه ..”
فلما وصلوا إلى القصر بحثوا عن الباب، فوجدوه وقد تراكم عليه التراب، فلما حفروا عنه تبيّن لهم قفل عظيم مصنوع من الذهب الخالص! وعلى الباب مكتوب:
قد بنينا وسوف نفنى ويبقى ** ما بنينا من بعدنا أزمانا
ليس يبقى على الزمان سوى الله ** الذي لا نراه، وهو يرانا
فحاولوا كسر القفل حتى تمكنوا من ذلك بعد جهد، ويقول: “فحين فعلنا ذلك سمعنا صيحةً عظيمة هالتنا من داخل القصر .. فتوقّفنا عن الدخول، ثم علمنا أن ذلك من عمل الجن!”
وغامر الرحالة ودخلوا للقصر متسللين، ورأوا بداخله العجائب من الآثار والأبنية .. ولما انتصفوا القصر وجدوا قبّة عظيمة بداخلها سرير يرقد فيه شخصٌ ميّت طوله ١٥ ذراعاً تقريباً !!
ورأوا بجانب السرير تمثال عجيب من نحاس يتحرك ليخيف من يدخل القصر .. حيث يقول عن صفته: “شخصٌ ماثل من نحاس، تامّ القامة، بعينين تدوران في رأسه، قبيح المنظر، ويحرك أطرافه، لا يشكّ من يراه أنه حيوان .. وفي يده سيف مشهر، وهو رافعٌ يده .. ويحرك عينيه، ويلتفّ رأسه كالحذِر!!”
ويقول عن وظيفة التمثال: “فإذا وضع أحدنا رجله على أي ناحية من القبّة، دارت القبة بأسرع ما يكون رحى الماء، وضرب -التمثال- بسيفه يمنةً وشمالاً .. ضرباً أسرع من الريح، فمهما قرب منه -أحد- قدّه وأهلكه ..”
وقد كان الكنز تحت القبة التي يحرسها التمثال المتحرك، فحاولوا بشتى الطرق أن يسيطروا على حركته أو يوقفوه ضرباً بالحجارة فلم يجدي ذلك حتى قرب الليل، وخافوا من الأفاعي التي في القصر .. فيقول: “فخرجنا ولم نحظَ إلا بقفل الذهب، فإنه كان فيه نحو خمسمائة ألف مثقال ..”
وعند خروجهم وجدوا هذا البيت محفوراً أمامهم:
تعبٌ يطول لطامعٍ في نيل ما ** أمسيت جامعه فقِلْ لا تطمعِ
واسترزق الله العلي مكانه ** ودع التطلّب للمطالب واقنعِ
ويختم الرحالة، قائلا: “فانصرفنا راجعين إلى مصر، وآليتُ أن لا أسافر في طلب الكنوز بعدها”
**المصدر / “أدب الغرباء”: للراغب الأصفهاني ص ٦٨-٧١