عاجل

الآثار المصرية تكشف حقيقة اختفاء سرير فضي من قاعات قصر الأمير محمد علي (صورة)
تعرف على الأطعمة التي تسبب التهابات المفاصل
جمهورية جديدة تعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية..
الفنان محمد فؤاد احتفل بزفاف ابنه الكبير عبدالرحمن في أحد الفنادق الشهيرة
حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال الإسرائيلي، في جبل عداثر بالأسلحة الصاروخية.
🛑#هام_للغاية وزير خارجية ‎بريطانيا الأسبق جاك سترو يتحدث للرسالة العربية
عبد اللهيان: الأسلحة التي استخدمت في “هجوم أصفهان” كانت أشبه بألعاب الأطفال
جيش الاحتلال ارتكب مجازر ضد العائلات في غزة، وصل منها للمستشفيات 37 شهيدا، و68 مصابا.
شكري يجري محادثات مهمه في تركيا
موسم عيد الفطر السينمائى بعرض 4 أفلام حيث تنافس من حيث الإيرادات
أمريكا تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمير منشآت إيران النووية
هنية يصل اسطنبول لإجراء محادثات مع الرئيس أردوغان حول تطورات الأوضاع في غزة
انفجار عنيف هز مناطق جنوب العاصمة بغداد وصولا إلى محافظة بابل.
# عملاق السينما المصرية ذكي رستم
كورية الشمالية اختبرت صاروخ “بيولجي-1-2” الجديد للدفاع الجوي

الهسهس

كتب  /   عصام عبد الله

(حلقات منفصلة متصلة)
الحلقات عبارة عن يوميات طبيب نفسانى يعرض حالات تمر به والحلقات خيال محض.
الأبحاث
زوج وزوجة هو فى العقد الخامس من العمر وهى فى نهايات العقد الرابع تبدو عليهما أثار الرفاهية. بادرنى الزوج قائلا زوجتى تعانى من حالة متقدمة من الإكتئاب النفسي والقلق لم تعد هى ذات المرأة الوديعة والزوجة الرقيقة والأم الرئوم. عشنا فى الخليج قرابة العقدين من الزمان ومن الله علينا بثروة كبيرة وأربعة أبناء. الكبيرة فى السنة الأولى من الجامعة فى كلية مرموقة والثانى فى الإعدادية وأخيه فى الخامس الإبتدائى والأخيرة فى الصف الثالث. قررنا العودة لمصر لأن ابنتنا الكبرى التحقت بالجامعة هنا وكنا قد دبرنا أمر المعيشة بشكل جيد فلدينا ما يكفى لمواجهة أعباء الحياة كما تمكنت من عمل شركة تفى بحاجايتنا وزيادة والرصيد فى البنك ضمان للمستقبل. كان أولادى فى التعليم يتلقون دروسا خصوصية ويداومون فى المدارس كغيرهم وابنتى فى الجامعة كذلك تؤم “الكورسات” كغيرها ولم يكن ذلك يمثل عبئا على الميزانية.
بدأت المشكلة يوم 12 مارس الماضى حيث عم البلاد طقس غريب وأنواء وأمطار غزيرة لم يسبق لها مثيل وتغلغلت المياه إلى شقتنا ورأيت لأول مرة قوابس الكهرباء وهى تسرب المياه فى منظر مهيب مخيف رهيب وغرقت الشقة فى مياه الأمطار التى تسللت من ثنايا الشبابيك لم يكد تمر هذه الأزمة حتى فوجئنا بقرار تعليق الدراسة. فى البداية عم الفرح أرجاء البيت من جانب الأولاد الذين أعتبروا أن عاما دراسيا قد انتهى دون امتحانات وأن تيرما كاملا قد مر دون الحاجة للمذاكرة.
بدأت زوجتى تتابع المسؤولين فى وزارة التعليم وهم يتحدثون عن الأبحاث التى رأت الوزارة أن تكون بديلا عن الإمتحان الورقى ولا حظت أن ذهنها مشتت بين أراء كثيرة وخيارات عديدة ومواعيد تضربها الوزراة لإيضاح المقصود وفك الألغاز وشرح موضوعات الأبحاث تارة وكيفية عمل الأبحاث تارة أخرى ومصادرها ثالثة. وتكفلت زوجتى ككل الأمهات بعمل الأبحاث نيابة عن الأولاد الذين كانوا يقضون أوقاتهم يعبثون بالمحمول أو يشاهدون التلفاز أو يلعبون ألعابا على الأنترنت ويفرغون جل طاقتهم فى إلتهام الطعام وبعد أن كنا نقوم بالتسوق مرة واحدة أسبوعيا أصبحنا نقوم بذلك ثلاث مرات وبالكاد تكفى.
ظلت زوجتى مشغولة بالتضارب الذى يحدث فى التصريحات فما بين يومى الأحد والأربعاء كان المسؤولون يعيدون صياغة البيانات فتضرب الأمهات أخماسا فى أسداس محاولين الفهم وتبدأ الحوارات على مواقع التواصل الاجتماعى بين مؤيد ومعارض وبين من يفهم المراد ومن يجهل العلة. شيئا فشيئا بدأت زوجتى بعد كثير عناء تفهم المطلوب على صعوبته وتنفذ المراد على وعورته. ثم قادتها الأقدار إلى الإتفاق مع بعض الأمهات للقاء فى منزلنا العامر لصياغة الأبحاث والوصول إلى المصادرالمطلوبة. كنت أستمع إلى حواراتهم المليئة بالشكاية المختلطة بعدم الفهم والحيرة الممزوجة بقلة الحيلة حتى سمعت صوتا رجاليا بين الأمهات ولما سألت قالت لى زوجتى أنه السيد عمار والد صهيب جارنا حيث أن الأم فى عزل صحى بالمنزل لأشتباه أصابتها بالكورونا فنظرت إليها نظرة المتعجب لكنها كانت مشغولة بما هو أهم من الكورونا ألا وهى الأبحاث.
كان الحوار هادئا هذه المرة بين الأمهات رغم أن أم هانى لم تكن موجودة بينهم هذه المرة فقد أصيبت بانهيار عصبى حاد وفجأة وبدون مقدمات سمعت صيحات إستهجان وصراخات إستغاثة فلم تقصيت الخبر علمت أن الوزارة قررت عدم قبول الأبحاث المتشابهة وكان سبب الثورة العارمة هو أن الأبحاث يجب ألا تكون متشابهة بينما المصدر الرئيس وهو الكتاب واحد وحتى المعلومات التى يمكن الحصول عليها من الأنترنت متشابهة.
بدأت زوجتى تعانى من كوابيس توقظها من النوم وهى ترى الأولاد يلهون ويلعبون بينما هى فى خضم بحر هائج تمد يدها لمن ينقذها فلا تجد سوى ضحكات المسؤولين على الشاشات وهم يقررون أن الأولاد هم من يجب أن يقوموا بالأبحاث بأنفسهم وأن الموضوع جد بسيط.
تبدلت زوجتى فأصبحت تهمل فى ملبسها ولا تعد لنا أصناف الطعام التى كانت تقدمها وأصبح كلامها قليل وصوتها عال وصراخها لا يتوقف. وفى النهاية وبعد عناء ومشاكل تقنية فى رفع الأبحاث ورفض المدارس وعدم قبول المنصات جثت على ركبتيها والدموع تترقرق من عينها وهم تتمتم “خلاص خلاص خلصت وخلصت”.
غمرتنى سعادة بالغة لهذا الإنجاز الضخم وقررت أن نخرج إلى “البلكونة” لنحتفل وطلبت من زوجتى أن تلبس أجمل ما لديها وكأننا فى أرقى المحلات وأفخم المطاعم وطلبت طعاما فاخرا وجلسنا نحتفى ونحتفل بالإنجاز والإعجاز وبدأت زوجتى تسترد نفسها وتستعيد رونقها وعادت الإبتسامة إلى محياها بعد ان هجرت ثغرها لأسابيع. وبينما نحن فى نشوة السعادة والموسيقى تزين المكان بالبهجة إذ أطلت علينا الابنة الكبرى وهى تقول “ماما .. مطلوب منى أعمل بحث للجامعة بدل الإمتحان وأنت لديك الخبرة الكافية والثبات الإنفعالى وقوة الإرادة لعمل هذا كما قمت به بنجاح مع أخوتى.”
تلاشت البسمة من على وجه زوجتى وفقدت القدرة على الكلام وفقدت كل رغبة فى التواصل ومن يومها وحالها كما ترى والكوابيس تقض نومها المتقطع وتتمتم بكلمات غير مفهومة أظنها سبابا لم نعهده منها وصرخات ودموع بلا توقف.
لم أدر كيف أرد عليه. لم أملك من القناعات ما يمكننى أن أتظاهر بأن الأمور تحت السيطرة لكننى أستجمعت شجاعتى ولممت شتات نفسى وأدرت الصورة التى أمامى وهى صورة زوجتى وقلت له هذه زوجتى هى الآن تعانى من شلل رعاش وفقدان ذاكرة كلى وقد قامت بتكسير كل أجهزة المحمول وشاشات التلفزة قبل أن يتم إيداعها مصحة نفسية اقامت قسما مخصوصا لضحايا الأبحاث من الأمهات. ثم قلت له “أنت محظوظ بزوجتك فقد خرجت من الأزمة بأقل الخسائر.”
عصام عبد الله

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية